رغــــم كـــل شـــيء، عيـــدكــم مبــــارك .. !
أ. عبد الحميد عبدوس /
مازال العلمانيون المتفرنسون الغارقون في جهلهم للإسلام يتقيئون حقدهم على قيم المجتمع الجزائري المتمسك بثوابت عقيدته الإسلامية، لقد حدث ذلك بعد صدور فتوى اللجنة الدينية التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف يوم الثلاثاء 22ذو القعدة 1441هـ الموافق 14جويليه 2020 القاضية بالإبقاء على شعيرة الأضحية في عيد الأضحى لهذا العام لأن: «الاضحية سنة مؤكدة في حق القادر عليها» كما جاء في بيان لجنة الفتوى وقبل ذلك، كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد أصدرت يوم الأحد 20ذو القعدة 1441هـ الموافق 12جويليه 2020 بيانا أكدت فيه عدم جواز إلغاء سنة الأضحية: «لان هذا المنسك العظيم الذي هو سنة مؤكدة عند جماهير المسلمين فيه من المعاني والدلالات ما لا يجوز أن يغيب عن مسلم» كما جاء في بيان الجمعية.
صدور هذه الفتوى الشرعية عن هيئة إسلامية جزائرية رسمية ،وهيئة إسلامية جزائرية مستقلة أخرج أضغان الذين في قلوبهم مرض، وبمجرد الإعلان عن هذا الحكم الشرعي ثارت ثائرة من يولون وجوههم شطر باريس، ويستلهمون أفكارهم ومواقفهم من تلبيس إبليس، فراحوا يسودون الصحف بكتابات مقرفة تدعي ان السلطة لم تقم بما كان يجب عليها القيام به في هذا الظرف المتسم بانتشار وباء كورونا، أي انهم كانوا ينتظرون منع الأضحية، وإلغاء شعيرة النسك، لأن السلطة الجزائرية خضعت لما يسمونه «ضغط الشعبوية الإسلامية»… وهكذا وصل الامر بهؤلاء الجهلاء المتنطعين إلى اعتبار سنة نبوية مؤكدة بمثابة «شعبوية إسلامية».
لم يكتفوا ولم تقنعهم كل الاحتياطات والتحذيرات الواردة في فتوى لجنة الشؤون الدينية، بعد اجتماعها مع أعضاء لجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا التي نصت على أن سُنّة الأضحية تسقط في حق العاجز عن شرائها خصوصا في ظل أزمة كورونا، كما تسقط في حق العاجز عن توفير شروط السلامة الصحية، كما تسقط الأضحية في حق الخائف من انتقال المرض، وأنه يجوز الاشتراك في ثمن الأضحية إذا كانت من البقر أو الإبل ويمكن للمضحي أن ينوي أضحيته عن قرابته كأبويه وأولاده وإخوته وأخواته وغيرهم، وجواز ذبح الأضاحي في اليومين الثاني والثالث، تفاديا للاكتظاظ والتجمعات مع وجوب احترام الإجراءات الوقائية والالتزام بها». ولكن راح بعض الصحافيين الذين لا تتعدى معرفتهم بالفقه الإسلامي ورصيدهم من الثقافة الإسلامية رصيد بريجيت باردو أو مارين لوبان يتصدون بكل وقاحة لمضمون الفتوى وينشرون على الجزائريين ما يعتقدون أنه لائق اجتماعيا وسليم صحيا، حتى وإن كان يغلب على الظن أن أمثال هذه الشرذمة من المتطرفين اللائكيين المستلبين المتغربين لا يقومون اصلا بشعيرة النحر ولا يلتزمون بها حتى في الأعياد العادية الخالية من وباء كورونا، وأحرى أن لا يحترموها في ظل تفشي وباء كورونا، لان كل همهم في هذه الدنيا هو التنكيد على المسلمين والطعن في دينهم ومقدساتهم، ويبدو أنهم يعتقدون ان اضطرار السلطة الجزائرية إلى تعليق بعض الممارسات الدينية كالصلاة جماعة في المساجد، وصلوات الجمع والأعياد، وحج بيت الله الحرام بسبب جائحة كورونا امتثالا لواجب الحفاظ على النفس البشرية ،ودفع الضرر المتحقق بسبب خطورة فيروس كورونا المنتشر في العالم في الاشهر الاخير، يشكل فرصة يجب اغتنامها لغلق أبواب الإسلام بابا بابا، وتحويل المؤقت والاستثنائي إلى أمر واقع، و يجهلون أويتجاهلون حقيقة التدين العميق للشعب الجزائري الذي قاوم المحتل الفرنسي المجرم لأكثر من قرن وثلث القرن من أجل الحفاظ على عقيدته وهويته الإسلامية.
وتمسك الشعب الجزائري المسلم بشعيرة النحر في عيد الأضحى لأنها في المقام الأول سنة مؤكدة، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: «ضحى النبي ـ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على ضفاحهما» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة عشر سنين يضحي.»
ويوم النحر هو من أفضل الأيام عند الله سبحانه وتعالى، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : «الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد، لأن المقصود والتعبد بالذبح وإراقة الدم، ولو ترك الذبح للصدقة لتعطلت شعيرة عظيمة.»
كما أن نحر الأضحية يوم العيد هو في المقام الثاني عرف اجتماعي راسخ في المجتمع الجزائري المسلم، حافظ عليه الجزائريون في كل الظروف طوال فترات تاريخيهم الإسلامي.
وفي سياق آخر، وقبل ايام من صدور فتوى اللجنة الدينية بخصوص شعيرة النحر، كان عضو مجلس الأمة، عبد الوهاب بن زعيم قد دعا لجنة الفتوى إلى إسقاط شعيرة الأضحية، واعتبر أن أضحية العيد تتسبب في نشر فيروس كورونا المستجد بين الملايين، هذه الدعوة أثارت موجة انتقادات و ردودا إعلامية مستنكرة، وردا على دعوة بن زعيم طالب بعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي رئيس الجمهورية بحل مجلس الأمة وتوجيه اموال الميزانية المخصصة له إلى دعم صندوق مكافحة كورونا، كما اعتبر الشيخ سليم محمدي مفتش التوجيه الديني، والتعليم المسجدي، بوزارة الشؤون الدينية، رأي السيناتور عبد الوهاب بن زعيم تحاملا مرفوضا على الدين لأنه «ليس له أي أساس علمي ولا ديني، وأن أمر الأضحية من اختصاص أهل الشرع، وعلماء الصحة»، وغير بعيد عن هذا التوجه المتحامل على الدين جاء تصريح الدكتور بقاط بركاني عضو لجنة متابعة ورصد فيروس كورونا بالجزائر، الذي قال بأن: «الحكومة الجزائرية قد تأخذ قرارا شجاعا بخصوص عيد الأضحى».
وهذا الرأي يختلف كثيرا عن رأي احد المبرزين الجزائريين في العلوم الطبية والبحث العلمي، البروفسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث (فورام) الذي قال: «إن تحقيق تأطير بيع الأضاحي ومنع الأسواق الفوضوية في المدن، سيمنع دون أي شك انتشار عدوى وباء كورونا، خاصة إذا التزم الباعة والمواطنون بإجراء التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة.» مؤكدا أنه: «إذا كانت الأضحية تباع في ظروف الفوضى كما تباع البطاطا والحليب يمكن أن يساهم ذلك في العدوى، ولكن في جميع الأحوال الأضحية مادة غذائية يذهب لشرائها الجزائريون كما يذهبون لشراء الحاجيات الأخرى هذه الأيام».
والانطباع الغالب أن فتوى الحفاظ على سنة الأضحية الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية وقبلها عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد نزلت بردا وسلاما على قلوب غالبية الشعب الجزائري المسلم رغم الظروف الصعبة التي تمر بها فئات واسعة من الشعب، فهنيئا للشعب الجزائري وللأمة الإسلامية عيد الأضحى المبارك ونسأل الله الحليم الرحيم أن يجعله عيدا مباركا مقبولا، وأن يرفع بلطفه وكرمه الوباء والبلاء والغلاء عن بلادنا وبلاد المسلمين، أن يسبغ رحمته الواسعة على موتى المسلمين ويمن بالشفاء العاجل على مرضى المسلمين إنه سميع مجيب. ومبروك عيدكم