الدعــاء هــو العبـــادة/ بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(1).
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة: [{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أي ادعوني أُجبْكم فيما طلبتم، وَأُعطكم ما سألتم، قال ابن كثير: ندب تعالى عباده إلى دعائه، وتكفَّل لهم بالإِجابة فضلاً منه وكرماً{إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي إنَّ الذين يتكبرون عن دعاء الله سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين…]( 2).
إن الدعاء ملاذُ كلّ مكروب وأملُ كلّ خائف وراحةُ كلّ مضطرب، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (3)، فالدعاء من أعظم العبادات التي ينبغي للمسلم أن يعتصم بها، خاصةً في أيام المحن والشدائد، فهو الصلة بين العبد وربه تبارك وتعالى، والمناجاة لله عزَّ وجلَّ، والافتقار والتذلل والمسكنة بين يديه سبحانه وتعالى، فقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )(4).
فضل الدعاء
من المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف يأمرنا بالإكثار من الدعاء، فقد جاءت الآيات الكريمة في القرآن الكريم تحثنا على ذلك، منها:
– قوله سبحانه وتعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(5).
– وقوله سبحانه وتعالى:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(6).
– وقوله سبحانه وتعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(7).
– وقوله سبحانه وتعالى أيضاً:{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}(8).
كما حثَّت السنة النبوية الشريفة على ذلك في مواضع كثيرة، منها:
– قوله – صلى الله عليه وسلم – : ( لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَم عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ)(9) .
– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الله لَهُ عِنْدَ الشّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِر الدّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ)(10).
– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ)(11).
– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)(12).
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلا أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمّا أَنْ تُعَجَّـلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمّا أَنْ يَدّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ ( (13).
أيها القارئ الكريم: احرص على أن تكون دعوتك دعوةَ خير لا دعوةَ شرٍّ أو ظلم، دعوة لا إثم فيها ولا قطيعة رحم، واعلم أن هذا الدعاء الذي يخرج من قلبك متوجهاً به إلى الله سبحانه وتعالى له واحدة من ثلاث حالات، وكلها خيرٌ لك إن شاء الله تعالى، إمّا الادخار عند الله سبحانه وتعالى، وليس هناك أعظم من ذلك، وإمّا أن يصرف عنك من السوء مثلها، وإمّا أن يستجيب الله سبحانه وتعالى دعوتك ويعجل لك الخير الذي طلبته، لذلك يجب عليك أيها القارئ الكريم أن تكون من المكثرين بالدعاء لله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال، موقناً باستجابة الله عزَّ وجلَّ لدعائك، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ)(14)، ورحم الله القائل:
لا تَسْأَلَـنَّ بَنِي آدَمَ حَـــاجَــــةً
وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
يا ودود
من المعلوم أن المسلم حريص على طاعة الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال، فإذا ما تعرض لنازلة من النوازل، فإنه يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء طالباً منه العون والمساعدة، كما رُوي عن أنس بن مالك: ( أن رجلاً كان يُكنَّى أبا مِعْلَق الأنصاري خرج في سَفَر من أسفاره، ومعه مال كثير يضرب به في الآفاق، وكان تاجراً، وكان يُزَنُّ بنسك وَوَرع، فخرج بأموال كثيرة، فلقي لصاً مُقَنَّعاً في السلاح، فقال له: ضعْ ما معك، فإني قاتلك، قال: خُذْ مالي، قال: المال لي، ولا أُريد إلاَّ قتلك، قال: أمَا إذْ أبيتَ فذرني أُصلي أربع ركعات. قال: صَلِّ ما بدا لك. فصلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: ” يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يُرَام، ومُلْكك الذي لا يُضَام، وبنورك الذي ملأ أركان عَرْشك أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني”.. دعا بهذا ثلاث مرات، وإذا بفارس قد أقبل وبيده حَربة، فطعن اللص فقتله)(15) .
إن الجزاء من جنس العمل، فهذا التاجر كان رجلاً صالحاً تعرف على الله في الرخاء، فتعرف الله سبحانه وتعالى عليه في الشدة، واستجاب دعاءه .
اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي كَثِيرٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : خَيْرًا ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأُمَّهُ- إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي )(16).
وعند دراستنا لهذا الحديث نتعرف على مدى حرص أبي هريرة – رضي الله عنه – على برّ أمه، حيث كان– رضي الله عنه – يغتنم كل مناسبة لدعوتها إلى الإسلام، ويذكرها بآيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ، لكنها كانت معرضة، ومع ذلك لم ييأس- رضي الله عنه- فقد توجه لحبيبه – صلى الله عليه وسلم – طالباً منه الدعاء لأمه بالهداية، فدعا رسولنا – صلى الله عليه وسلم – لها بالهداية، واستجاب الله سبحانه وتعالى دعاء نبيه – صلى الله عليه وسلم – ودخلت أم أبي هريرة في الإسلام.
أخي القارئ الكريم: من المعلوم أن إكثار الدعاء لله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين يزيد الإيمان ويعلِّق القلب بالله عز وجل، ويمنح النفس متعة المناجاة والطمأنينة مما هو أعظم من تلك الحاجة التي يطلبها بالدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
1- سورة غافر الآية (60).
2- صفوة التفاسير للصابوني 3/107.
3- سورة الرعد الآية (28).
4- أخرجه الترمذي.
5- سورة البقرة الآية (186).
6- سورة الأعراف الآية (55).
7-سورة غافر الآية (60).
8-سورة القمر الآية (10).
9- أخرجه الترمذي.
10- أخرجه الترمذي.
11- أخرجه الترمذي.
12- أخرجه مسلم.
13- أخرجه أحمد.
14- أخرجه الترمذي.
15- أسد الغابة في معرفة الصحابة 6/276-277.
16- أخرجه مسلم.