الجهاد والمجاهدة/ محمد الصالح الصديق

الجهاد صعب عسير، ولكنه لابد منه لأنه الجسر الممدود إلى الحرية، وحياة العز والكرامة؛ سواء أكان هذا الجهاد جهاد العدو أو جهاد النفس، وكلا الجهادين يتطلب القوة والشجاعة والتضحية.
بيد أن جهاد العدو – وإن كان اقتحاما للمهالك، ومنازلة للخطوب والمخاطر، وارتماء في أحضان الموت، فهو سهل يسير، لأن العدو يترائى لك، فتصوب إليه سلاحك من سيف أو سهم أو رشاشة فتقضي عليه أو يقضي عليك، أما جهاد النفس فصعب عسير للغاية، لأن جهاد النفس يتجه نحو عدو باطني لا يُرى، وقريب ملازم لا يفارقك ولا ينفصل عنك، مضره الأحشاء والحنايا.
ومن هنا سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الجهاد، عندما عاد من إحدى غزواته “الجهاد الأكبر” ووصف هذا العدو الباطني بأنه أشد الأعداء، فقال: [أعدى أعدائك، النفس بين جنبيك].
إن الجهاد الأصغر تسيل فيه الدماء، وتفيض الدموع، وييتم فيه الأطفال، وترمل فيه النعيماء، والجهاد الأكبر لا دماء فيه ولا دموع، ولا ترمل ولا يتم ومع ذلك شتان بينهما.
إن جهاد النفس صعب شاق إلا على أولي العزم من عباد الله المؤمنين، لأنه “تخلية” للنفس من أوصافها الذميمة؛ الحقد، والحسد، والكبر، والعُجب، والرياء، والطمع، والحرص، وغير ذلك من العلل والأمراض النفسية.
إنما كان هذا النوع من الجهاد صعبا لأن مخالفة الهوى، وعصيان النفس الأمارة، ولأنه التحرر من الطمع والشره، والجشع، والتحرر من الأنانية وسيطرتها على السلوك، ولأنه أيضا معرفة الحقوق والواجبات وأداؤها حق أداء.
ولصعوبة جهاد النفس على الإنسان نرى كثيرا من الذين جاهدوا العدو بعزم صادق، وبأس شديد، وبطولة خارقة، وانتصروا عليه، ولكنهم في جهادهم النفسي انهزموا ولم يقدروا على المجاهدة والمجابهة، فسقطوا صرعى أمام المال الوفير، والمرأة الجميلة الحسناء، وأمام تجربة، أو ابتلاء.
والشعوب كالأفراد، فكم من شعب مستعمر جاهد ببطولة واستبسال، وافتك حريته واستقلاله، وطهر أرضه من رجس الاستعمار، ولكنه لما دخل الجهاد الأكبر وقاد معاركه المختلفة ضد النفس والهوى انهزم ولم يستطع الصمود والمواجهة.
ولا نستثني الشعب الجزائري من هذا الحكم وهذه الظاهرة، فقد كان أيام جهاده للمحتل الفرنسي البغيض، مضرب المثل في البطولة، والتضحية، والإيثار، والاتحاد، وانتصر انتصارا باهرا رغم قوة عدوه، وقوة حلفائه، وقوة عددهم وعتادهم.
ولكن لما انتهى هذا الجهاد الصغير، وبدأ الجهاد الكبير الذي قوامه، جهاد الهوى والأنانية، وشهوة الحكم والتوظيف والمسؤولية، وحب التملك والقيادة، وحب الشهرة، لم يستطع أن ينتصر على نفسه، فانهزم وانجرت له وراء ذلك محن وفتن ومتاعب.
فليعتبر بذلك أولو الأبصار، وليضعوا نصب أعينهم دائما أن الانتصار على النفس هو الانتصار الحق الذي يضمن كل انتصار.