وراء الأحداث

العـــــودة إلـــى الغلـــق فــي مــواجهـــة جـــائحــة كورونــــا

أ. عبد الحميد عبدوس /

ما زال المواطنون في الجزائر ينتظرون صدور فتوى حول أضحية العيد سواء بالجواز أو التعليق، وإلى حد كتابة هذا الموضوع صباح السبت 11جويليه 2020 الموافق 20 ذو القعدة 1441هـ، لم تصدر أية فتوى من اللجنة الدينية المختصة، رغم التجاذبات التي دارت حول الحكم الشرعي المناسب في هذا الظرف الخاص المتسم باستمرار تفشي جائحة كورونا وما تفرضه من ضرورة الالتزام بالاحتياطات الوقائية التي تضمن سلامة المواطنين، ورغم حساسية الموقف في هذا الشأن إلا أن الوقت قد بدأ ينفذ بسرعة مع اقتراب موعد عيد الأضحى المبارك، وتأخر الناس في اقتناء الأضحية على غير ما جرت به العادة في الأعياد السابقة، وذلك انتظارا للفتوى التي تدفع المواطن لاقتناء الأضحية أو الامتناع عن ذلك التزاما بالفتوى. والتي قد تسبب في حال صدورها المتأخر في ازدحام أسواق المواشي وارتفاع لأسعار الأضاحي.
ومن جهة أخرى يبدو أن الأمور بدأت تخرج عن التحكم بخصوص تفشي جائحة كورونا في الجزائر، لقد أصبحنا بعيدين عن التصريحات المتفائلة والمطمئنة التي كان يطلقها وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات الدكتور عبد الرحمن بن بوزيد القائلة بأن: «الوضعية الوبائية بخصوص كوفيد-19 مستقرة في الجزائر ولا تبعث على القلق» وأن: «الجزائر وصلت إلى ذروة الإصابات بفيروس كورونا في 29 أبريل الماضي بتسجيلها 199 إصابة».
لقد استدعى الوضع الصحي في البلاد والمؤشرات المقلقة عن حالة تفشي الوباء عقد جلسة عمل يوم الخميس 09 جوان 2020، برئاسة السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية خصّصت لدراسة تطور الوضعية الصحية في البلاد وشارك في اللقاء الوزير الأول، وقادة الأسلاك الأمنية، وأعضاء اللجنة العلمية للرصد والمتابعة، وولاة الجمهورية في كل من الجزائر، ووهران، وبسكرة، وسطيف وورقلة وخلصت جلسة العمل إلى منع حركة المرور من وإلى 29 ولاية لمدة أسبوع، ومنع النقل الحضري العمومي والخاص في العطلة الأسبوعية، كما أعلنت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، 2020، إقرار حجر منزلي على كل بلديات ولاية ورقلة من الخامسة مساء إلى الخامسة صباحا لمدة 15 يوما، وكذا فرض حجر منزلي على 10 بلديات من ولاية تيبازة يدوم 10 أيام يمتد من الواحدة زوالا إلى الخامسة صباحا، وإقرار حجر منزلي على بلديتي القالة والشط بولاية الطارف. يمتد من السابعة مساء إلى الخامسة صباحا لمدة 15 يوما، ثم صدر قرار فرض حجر منزلي جزئي على خمس بلديات في ولاية مسيلة لمدة 10 أيام من الواحدة زوالا إلى الخامسة صباحا، مع ما يستتبع هذا الإجراء من توقيف للأنشطة التجارية والاقتصادية والاجتماعية وحركة النقل. هذا الغلق الجديد أثار موجة من الاستياء الشعبي في الولايات المعنية لما له من تداعيات اقتصادية واستمرار التضييق على ممارسة الشعائر الدينية، خصوصا أن وزير الصحة سبق له أن وعد بأن «الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة بالجزائر من شأنها المساعدة في التحكم في الوضعية الوبائية لفيروس كورونا المستجد».
تختلف الآراء بين الفئات الشعبية والسلطات السياسية والإدارية في سبب تدهور الوضعية الصحية، فبينما تتهم الفئات الشعبية والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة بالفشل في التحكم في انتشار فيروس كورونا بسبب هشاشة المنظومة الصحية والممارسات البيروقراطية في القطاع الصحي، وينشرون على بعض مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع صادمة عن حالات الإهمال والفساد في بعض مستشفيات الجزائر، تتهم السلطات المواطنين بعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، وعدم الامتثال للقوانين الصادرة لمحاربة انتشار فيروس كورونا، وتأخر المصابين بالمرض في التوجه إلى مراكز العلاج. والأخطر عدم احترام التباعد الاجتماعي، ويؤكد الخبراء أن كل شخص لا يلتزم بالتباعد بين الأشخاص ينقل العدوى إلى 406 أشخاص خلال 30 يوما، بينما تقل نسبة العدوى لدى الأفراد الذين يتباعدون اجتماعيا بنسبة 50 بالمائة لتصل إلى 15 شخصا في ظرف 30 يوما وتقل عن ذلك بالنسبة لمن يلتزمون بها بنسبة 75 بالمائة.
كما يتفق الخبراء على أن فيروس كورونا المستجد يتطور بسرعة صاروخية في كل أنحاء العالم. ويؤكد مدير منظمة الصحة العالمية بأن فيروس كورونا ليس تحت السيطرة في معظم أنحاء العالم، بل يزداد سوءا، وفي أواخر الشهر الماضي كشف مدير منظمة الصحة العالمية عن تسجيل مليون إصابة خلال 8 أيام فقط، بينما سجل أول مليون إصابة بفيروس كورونا خلال 3 أشهر كاملة.
وفي الجزائر ومنذ الإعلان يوم 25 فيفري 2020 عن تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد وهي لرجل إيطالي وصل إلى البلاد يوم 17 فبراير، ظلت الأرقام تتزايد حتى وصلنا يوم الجمعة الماضي (10جويليه 2020) إلى عدد المصابين 18242 إصابة، و996 وفاة.
وخلال شهر رمضان 1441/ 24 أفريل 2020 الذي كان البعض يحذر الناس من الصيام ويتوقع أرقاما كارثية لعدد الإصابات والوفيات، فلم تسجل خلال شهر كامل إلاّ 5106 إصابة، وعدد الوفيات بلغت185 وفاة، حيث تم تسجيل 3007 إصابة بـ فيروس كورونا المستجد، بينما بلغ عدد الوفيات 407 وفاة، يوم الخميس 23 أفريل 2020 ليلة الفاتح رمضان. وفي يوم السبت 23 ماي2020/30 رمضان 1441هـ: بلغ عدد الإصابات 8.113 حالة .الوفيات 592حالة. هذا الإحصاء الشهري للإصابات والوفيات يقارب ما تم تسجيله في 10 أيام فقط من شهر جويلية الجاري، حيث بلغت عدد الإصابات في الفاتح جويلية 2020 14272 وعدد الوفيات إلى 920، وفي10 جويلية وصل عدد المصابين 18242 وفاة إلى 996، أي حوالي أربعة آلاف إصابة و76 وفاة.
ورغم أن هذه الأرقام رغم إثارتها للقلق ودفعها للسلطات الجزائرية إلى فرض المزيد من إجراءات الغلق، إلاّ أنّها لا تقارب مستوى الوضعية الوبائية الكارثية لفيروس كورونا في الكثير من الدول المتقدمة في قارات أمريكا وأوروبا وآسيا، كما أنها لا تصل إلى مستوى ما هو مسجل في بعض الدول العربية من ناحية الإصابات والوفيات، فإلى غاية الخميس 9 جويلية 2020 سجلت السعودية أكثر من 217 ألف إصابة و2100 وفاة. ومصر أكثر 77 ألف إصابة و00 36 وفاة، والعراق أكثر 70 ألف إصابة و2900 وفاة ولكن عدد الإصابات والوفيات في الجزائر هي أكثر مما سجلته دول المغرب العربي التي يبدو إلى حد الآن أنها تتحكم جيّدا في الوضعية الوبائية لتفشي فيروس كورونا المستجد، ففي الجارة الغربية (المغرب) تم إحصاء 15079 إصابة و242 وفاة وفي الجارة الشرقية (تونس) تم تسجيل أكثر من 1200إصابة و50 وفاة.
غير أنّ المؤشر الإيجابي في تعامل الجزائر مع جائحة كورونا هو الارتفاع المستمر في عدد المتعافين من الإصابة بالفيروس حيت تقارب نسبة المتعافين ثلاثة أرباع عدد المصابين. وهذا ما يطرح الكثير من الأسئلة حول قرار منظمة الصحة العالمية بضرورة التوقف عن استعمال دواء هيدروكسي كلوروكين والذي يباع تحت اسم العلامة التجارية Plaquenil الذي يعتمد عليه الجزائر بصفة أساسية في البروتوكول العلاجي للمصابين بفيروس كورونا، وسبق لمنظمة الصحة العالمية أن علقت العلاج بهذا الدواء، ثم تراجعت عن قرارها وأباحت استخدامه. وهذا ما جعل بعض خبراء الصحة يتهمون منظمة الصحة العالمية بالخضوع لكبرى لوبيات الصناعات الدوائية في العالم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com