مصاب جلل/ د. عمار طالبي
إنه لمصاب جلل، وخسران مبين، لأمتنا، رحيل أخينا العزيز، وصديقنا الوفي الكريم، عبد الوهاب حمودة بن محمد أكلي يوم الثلاثاء 19محرم 1439هـ الموافق 10 أكتوبر2017م في منزله بين أهله.
نشأ في أسرة طيبة شريفة، ذات دين وخلق وعلم، ولد في جانفي 1939 في الجزائر الوسطى بالعاصمة، ودرس الدراسة الابتدائية ثم انخرط في ثانوية المقراني ناحية بن عكنون، وكان متفوقا في الرياضيات مما أهله للتفكير المستقيم ووضوح الرؤية، ثم دخل الجامعة وحصل على الإجازة، وسجل في إحدى الجامعات الفرنسية للحصول على الدكتوراه ولكن أعماله الإدارية الكثيرة لم تترك له سبيلا لإتمامها.
كان موظفا في التعليم، ثم في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى أن تولى الأمانة العامة لهذه الوزارة في عهد وزيرها الأستاذ سعيد شيبان.
وكان منذ وزيرها الأستاذ مولود قاسم مكلفا بإعداد ملتقى التعريف بالفكر الإسلامي إلى أن بلغت هذه الملتقيات مدة أربع وعشرين سنة وطبعت منها عدة مجلدات وكان يحضرها علماء ومفكرون من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وغيره، كما كان يحضرها الطلاب والطالبات من الثانويات والجامعات، وعقدت في مختلف ولايات الجزائر، ومن الأساتذة الذين كانوا يساعدون أخينا الأستاذ عبد الوهاب: الدكتور أحمد عروة، والدكتور سعيد شيبان وكاتب هذه الكلمات، في إعداد موضوعات هذه الملتقيات ومحاورها، وكان لهذه الملتقيات أثرها في تنمية الفكر والوعي والثقافة لشبابنا الجامعي، وكانت تلقى في التلفزة محاضرات منها ليعم نفعهما الأوساط الشعبية.
كما كانت له صلة وثيقة بالمفكر الجزائري مالك بن نبي، وحضور ندواته، وتوزيع بعض مؤلفاته على المتفوقين من الطلبة في امتحاناتهم الناجحين في الشهادة الثانوية وغيرها.
وله جهد معتبر في تأسيس مسجد الجامعة، بجامعة الجزائر، وإصدار مجلة ماذا أعرف عن الإسلام بالعربية والفرنسية، كما كانت له جهود كثيرة جدا في إعداد برامج ومناهج جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، التي تأسست في مدينة قسنطينة مع الأساتذة أحمد عروة والأستاذ سعيد شيبان والأستاذ محفوظ السماتي، ومحمد الصغير بناني، وكاتب هذه الكلمات، وحضر لدينا بعض الخبراء في العلوم الإسلامية مثل الشيخ عبد العزيز الخياط عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية ووزير الشؤون الإسلامية بالحكومة الأردنية وبعض أساتذتها وبعض المستشارين من تونس.
ولما عرض على الشيخ محمد الغزالي التدريس بهذه الجامعة وكان قد حضر لإحدى ملتقيات الفكر الإسلامي في سيدي فرج وهو أستاذ في جامعة قطر كلية الشريعة في ذلك العهد، طلب أن نستأذن الشيخ أمير دولة قطر في أن يتنقل إلى الجزائر، فذهب وفد يتكون من الأستاذ عبد الوهاب، والأستاذ بن عبو مسؤول الموظفين بوزارة التعليم العالي، وكاتب هذه الكلمات إلى الدوحة، فوجدوا كل ترحيب واستجابة، وقيل لنا إن الجزائر أولى منا بالشيخ الغزالي وفضلوها على أنفسهم وجامعتهم مشكورين، وكان الشيخ أمير دولة قطر رئيس لجنة لجمع التبرعات لثورة الجزائر رحمه الله.
وكان الأستاذ عبد الوهاب ضمن لجنة تتكون من الأستاذ سعيد شيبان والأستاذ محفوظ سماتي عنيت بترجمة القرآن إلى الفرنسية والتعليق على هذه الترجمة بتفسير مختصر في التلفزيون الجزائري “كانال ألجيري” لمدة ما يقرب من خمس سنوات، وكان يسهر هو وابنه حمزة لإعداد هذه الحصص بالآيات القرآنية التي تترجم وتفسر ويهيأ ذلك مرتين كل أسبوع في منزل أستاذ سعيد شيبان.
وكان ينوي جمعها لطبعها وقد جمعت لدى الأستاذ سعيد شيبان نرجو الله التوفيق لطبعها.
وهو الأمين العام لجمعية مالك بني نبي الثقافية التي ما نزال ننتظر اعتمادها من الداخلية منذ زمن طويل. وأسرة الأستاذ عبد الوهاب معروفة في قرية قنزات ولها زاوية في أعلاها تعلم القرآن حفظا وتجويدا، وكان يشرف عليها، ويعين المعلمين بها، ويستقبل الطلبة وهي زاوية داخلية تأوي الطلبة وتطعمهم نرجو أن يتواصل الاهتمام بها لأداء وظيفتها أفضل أداء، وقد زرناها بمعية الأستاذ شيبان وعقدت بها ندوة علمية حضرها عدد من الأساتذة الجامعيين ومنهم عبد الحكيم بجامعة باتنة وهو متخصص في مقارنة الأديان، وهو عضو في المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان مسؤولا عن العلاقات الخارجية، وساهم في بناء مسجد المنار القريب من منزله ببلدية الحمامات “باينام” وقد صلى صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر آيت علجت، وكان قد أوصى أبناءه بمن يغسله ويصلي عليه فوفوا بوصية أبيهم. بارك الله فيهم، وحضر دفنه جمع غفير من ذوي الفضل من عارفيه، ومقدري فضله وأعماله التي قدمها لهذا الوطن، وذلك بمقبرة عين بنيان القريبة من منزله يوم 20محرم 1439هـ الموافق 11أكتوبر 2017.
رحمك الله يا عبد الوهاب ووهب لك الغفران والرضوان فهو الوهاب، وأنت عبده وتقبلك قبولا حسنا، وأسكنك جنات الفردوس مع الأنبياء والصديقين والصالحين بما قدمت وبذلت واجتهدت وصبرت وحسن خلقك وطابت سيرتك وعظم خلقك ومعاملتك للناس ولطفك، وسعيك في الخير، وحبك للقرآن ودرسه، وقد أوصيتنا بمعية الأستاذ سعيد شيبان أن نكون لجنة في سبيل الدفاع عن القرآن مما يتعرض له من سوء المستشرقين وأتباعهم وتحريفهم لتاريخه، والافتراء على نصه، في وحيه وجمعه، وإنا إن شاء الله فاعلون، ونسأل المهتمين بالأمر من إخوانه وأصدقائه أن يساعدونا في هذا المشروع رحمك الله يا عبد الوهاب وأسبغ عليك رضوانه وغفرانه.