اليمين الأوروبي المتطرف في دراسات فرنسية موثقة ومصورة الإسلام والمسلمون هو الهاجس لأكبر لهؤلاء المتطرفين/باريس/سعدي بزيان
ظهر في السنوات الأخيرة في أوروبا وفرنسا بالخصوص عدة كتاّب ومؤرخين لهم اهتمامات خاصة بالتيارات والأحزاب اليمينية المتطرفة فكتبوا في ذلك دراسات، ونشروا أبحاثا في هذا الموضوع، وذلك قصد تنوير الرأي العام في أقطارهم بخطورة هذه التيارات، والأحزاب الشعبوية التي تدغدغ عواطف الرأي العام، والتي تقدم نفسها كبديل للأحزاب التقليدية التي تمسك بزمام الحكم ولم تحقق مطامح ومطامع هذه الشعوب، واستغل هذا اليمين المتطرف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والإرهاب، ألبسوه لباس “الإسلام، وما هو بالإسلام” ومرتكبوه أجهل الناس بالإسلام، دينا وعقيدة وهؤلاء ولدوا في الغرب، ودرسوا في مدارسه، وتشبعوا بنمط عيشه، وعانوا من التهميش والإقصاء والبطالة والفشل المدرسي، وشكلت هذه المشاكل كلها مأساة جيل ساده الاعتقاد بأن هذه المجتمعات ظالمة تستحق العقاب، فأساءوا بتلك الأعمال للإسلام والمسلمين وما قدروا الإسلام حق قدره، بل أصبحوا وبالا عليه.
وقد انتفض الجيل الثاني من أبناء الجزائر في صيف 1983 في ليون في غيتوات في فيلوربان بضواحي ليون وقد سميت هذه الانتفاضة بـ “مسيرة العصر” حيث سار هؤلاء من ليون ومرسيليا على الأقدام إلى باريس واستقبل قادتهم من ميتران رئيس الجمهورية ووعدهم بإصلاح أوضاعهم والنتيجة لا شيء تقريبا والمستفيد الأكبر من عهد ميتران هم أصهاره اليهود، فبوأهم أفضل المناصب وقدم لهم أهم المكاسب، ولم يعين أي مسلم في منصب هام وربما كان اليمين أفضل منه بكثير ففي عهد شيراك وساركوزي تم تعيين عدة وزراء من أصول إسلامية ولو بالاسم، وقد أصدرت مجلة التاريخ والجغرافيا عددا خاصا عن اليمين الأوروبي المتطرف مركزة بالدرجة الأولى على فرنسا التي اشتهرت بظهور تيارات ومدارس فكرية وسياسية وأدبية وقد ظلت تصدر بعضا من هذه المدارس مثل مدرسة السوريالية في الأدب والفن التي كان رائدها أندري بروتون وامتدت آثار هذه المدرسة إلى مصر، ولبنان والتطرف في فرنسا ليس وليد جان ماري لوبان وابنته مارين لوبان اللذين أنشأ الجبهة الوطنية FN سنة 1972 أي بعد استقلال الجزائر بعشر سنوات.
وكان ذلك بمثابة رد فعل على هزيمة فرنسا في الجزائر وسقوط أسطورة: “الجزائر الفرنسية” التي حارب ماري لوبان من أجل تحقيقها، وقد أراد من خلال إنشائه الجبهة الوطنية كتعويض عما لقيه هو شخصيا في الجزائر حينما حارب إلى جانب الجيش الفرنسي في الجزائر ومارس التعذيب فما كان له إلا أن ينشئ حزبا سياسيا وطنيا معاديا لكل ما هو غير فرنسي ولما كان المهاجرون الجزائريون في فرنسا أكبر عددا وأقدم تاريخا فقد ناصبهم العداء ومارس حزبه العنصرية فأخذ يردد شعارات عنصرية: “فرنسا للفرنسيين” والفرنسيون أولا، واستنكر تشكيل الفريق الوطني للكرة من عناصر ذوي أصول أجنبية، في مقدمتهم جزائريون، ألم يشرف زيدان كرة فرنسا؟ وظل جان ماري لوبان إلى أن أقصته ابنته من الحزب معاديا للإسلام، فقد حارب بشدة إقامة مسجد كبير في مرسيليا كما تظاهر أنصاره في ليون احتجاجا ضد ميشال نوار رئيس بلدية ليون الذي منح قطعة أرض ليقيم فوقها مسلمو ليون مسجدهم الكبير وأقيم المسجد فعلا وافتتح وأصبح منارة إسلامية تضيء سماء عاصمة النور وعميد مسجد ليون جزائري الأصل هو كمال قبطان من خنشلة.وتفاخر جان ماري لوبان بالقائد الفرنسي شارل مارتل الذي أوقف الزحف الإسلامي في فرنسا وهزمهم في بلاط الشهداء سنة 732م، وقال ماري لوبان ذات يوم في إحدى تصريحاته “أنا شارل مارتل” الذي طرد الأجانب من فرنسا، وقد توقفت مجلة Géohistoire مطولا عند اليمين المتطرف في فرنسا والذي كما قالت المجلة استطاع الوصول إلى الحكم في فرنسا لأول مرة في عهد الماريشال فيليب بيتان عميل النازية الألمانية ومؤسس حكومة فيشي الموالية لهتلر، واليمين المتطرف له امتدادات في أوروبا وأمريكا، ألم يغتل التطرف في الولايات المتحدة لوثر كينغ الأسود الذي كان يسعى إلى تحقيق شعار أمريكا التآخي بين البيض والسود فاغتاله المتطرفون البيض في 4أفريل 1968، ولم يتحقق هذا الشعار لا الأمس ولا اليوم، ونحن نرى بالعين المجردة وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في أمريكا، وفي فرنسا لم يختف اليمين المتطرف فيها منذ عهود طويلة، من موراس باراس 1968-1952، والعمل الفرنسي L Action Française .
وقد سبق الجبهة الوطنية تنظيم سياسي يميني متطرف وهو “منظمة الجيش السري OAS التي عارضت استقلال الجزائر، واعتبرت ديغول عدوها لأنه اعترف بالاستقلال الجزائر فاتخذ هذا التنظيم المتطرف الذي أراد وقف تيار التاريخ الذي عصف بالاستعمار في القارة الإفريقية وكان شعار هذا التنظيم “الأرض المحروقة” إذ أراد هؤلاء تحويل الجزائر إلى أرض خراب لن تقوم لها قيامة عشرات السنين، وخابت سياستهم وتبخرت أحلامهم.
متى يجد اليمين المتطرف أرضا خصبة ليزرع إيديولوجيته
في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية تبرز أسماء لشخصيات تقدم نفسها وكأنها المنتقذ الوحيد وأن الأحزاب السياسية التقليدية عاجزة عن تحقيق حلم الجماهير ولطالما وجدت هذه الأفكار طريقها إلى الجماهير العريضة الشعبوية، ولا غرابة إذا أطلق على هذه الأحزاب اسم الأحزاب الشعبوية إذ لا يعتنق أفكارها إلا الجماهير العريضة لا النخب السياسية والثقافية وتبرز هذه الأحزاب في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية، وظهر سبب آخر وهو الإرهاب وصعود المد الإسلامي المتطرف وما انجر عنه من أحداث دامية أسفرت عنه مقتل المئات من الأبرياء من الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما حدث ويحدث، فكانت أحداث 11سبتمبر في الولايات المتحدة سنة 2001 وفي سنة 2015 في جانفي وهو ما يعرف بأحداث دامية ضد شارلي إيبدو الصحيفة الكاريكاتورية التي تسخر من الإسلام ونبي الإسلام وظهرت صور كاريكاتورية أخرى على هذا المنوال في الدانمارك واتسع الخرق على الرقاع كما يقول العرب القدامى ووظفت الأحزاب اليمينية هذه الأحداث لصالحها فظهر خلال ذلك حزبان متطرفان في ألمانيا وعلى رأسها البديل الألماني الذي جعل من سياسة ميركل التي فتحت أبوابها على مصراعيه في وجه مليون سوري وعراقي وجلهم مسلمون ذريعة يتغذى اليميني الأماني المتطرف من الأحداث الدامية وبعض من سوء التصرف لمسلمي ألمانيا كذريعة لمعاداة وكره الأجانب وخاصة المسلمين، وأصبحت أنجيلا ميركل مهددة في مستقبلها السياسي وفي هولانده كان غيرت ويلدرس يعتقد أنه على قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى الحكم في الانتخابات التشريعية السابقة، ولكن الشعب الهولاندي أسقطه.
وبذلك تقدم أوروبا نموذجا لليمين الأوروبي الحاكم في أوروبا تمهيدا لبقية البلدان الأوروبية الأخرى وتتشكل جغرافية سياسية أوروبية جديدة ولا صوت يعلو في أوروبا فوق صوت اليمين الأوروبي المتطرف الحاكم ولا جرم أنه لو وصل إلى الحكم كل من غيرت ويلدرس ومارين لوبان لكان ذلك وبالا على مسلمي البلدين “ورابطة الشمال في إيطاليا تتمرد بقوة وتحمل لواء معاداة الإسلام والمسلمين وقالت في بيانها مؤخرا إن أوروبا بيت مسيحي وليست بيتا مسلما.
اليمين الأوروبي المتطرف تتسع جغرافيته ليشمل أوروبا الشرقية
فالغزو العثماني لمنطقة البلقان خلف وراءه أثرا سيئا لدى هذه الشعوب وقد استغلت القيادات السياسية الحاكمة هذا الماضي ووظفته في سياستها العدائية للإسلام وقد عبرت كل من المجر وسلوفاكيا وتشيك وبولونيا عن معاداتها للوجود الإسلامي ورفضت المجر السياسة الأوروبية التي قررت تحمل كل بلد أوروبي قسطه من طالبي اللجوء إلى أوروبا من سوريا والعراق ذلك أن جلهم مسلمون .
اليمين الفرنسي المتطرف ومارين لوبان في العاصمة
تعيش مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية أزمة نفسية حادة من جراء عدة عوامل منها ظهور عجزها أمام إيمانوال ماكرون في مناظرة تلفزيونية فبدت في حالة ضعف كبير في هذه المناظرة كما أن سقوطها في الانتخابات الرئاسية وسعيها اليوم لإعادة النظر في سياسة حزبها كل هذه العوامل وغيرها كانت وراء العاصفة التي تعصف بها وبحزبها وقادته، وتتساءل الأوساط السياسية الفرنسية الخبيرة باليمين الفرنسي المتطرف ما مصير الجبهة الوطنية وما مصير رئيسة الجبهة بعد مؤتمر 2018؟ وقالت جريدة “لوجورنال دُيمانش” أن صورة مارين لوبان متآكلة وقالت الجريدة هل إن سنة 2017 هي ضربة لوقف التمدد لحزب مارين لوبان وقد نقلت إلينا الجريدة صورا عن تراجع اليمين الفرنسي المتطرف بصور مخيفة وخاصة ما يتعلق بصورة رئيسة الحزب مارين لوبان وذلك نقلا عن معهد IFOP لسبر الرأي العام مفادها أن 66بالمائة من الرأي العام الفرنسي وصف مارين لوبان بأنها عنصرية ومتعصبة في حين قال 59بالمائة من الفرنسيين أنهم لا يتمنون أبدا أن ترشح مارين لوبان نفسها للرئاسيات في حين قال 71بالمائة من الفرنسيين لا يتمنون أن تنتخب لرئاسة الجمهورية و56بالمائة قالوا إن مارين لا تتقيد بالقيم الديمقراطية و59بالمائة قالوا عنها لا تفهم مشاكل الناس، وأكثر من هذا أن 65بالمائة قالوا إن مارين لوبان ليست كفؤة في قيادة الشعب الفرنسي، وجاء في سبر الرأي العام إن 68بالمائة قالوا إن مارين لوبان لا تملك حلولا لإخراج فرنسا من الأزمة و73بالمائة من الذين شملهم الاستفتاء قالوا إن مارين لوبان لا تملك كفاءة لأن تكون رئيسا للبلاد والجدير بالذكر أن الأرقام التي أوردها معهد إفوب لا تشمل انحصار مارين لوبان فهؤلاء لا محالة يسودهم الاعتقاد بأنها هي النموذج وصاحبة الحلول السهلة وقد حذر هؤلاء رئيس نقابة أرباب المصانع والمؤسسات الكبرى في فرنسا وقال إنه لو وصلت إلى الحكم لفر المال خارج فرنسا وحصلت نكبة في الاقتصاد الفرنسي لا مثيل لها في تاريخ فرنسا وها هي مارين لوبان تحاول ترميم أخطائها تمهيدا لمعارك المستقبل ولكن الصيف ضيعت اللبن كما قال قدماء العرب.